أَوْدَعْـتُ نَارَ الْوَجْـدِ طَيَّ خِطَابِي ... وَأَنا أُغَــالِبُ فُرْقَـةَ الأَحْبَابِ

أُمِّي، أَبي، أُخْتِي، أَخِي، وَلَدِي، وَمَنْ ... قَاسَمْتُهَا فَرَحِي، وَمُـرَّ غِيَابِـي

لَكِنَّنِـي سَطَّـرْتُ فيـهِ صَبَابَـةً ... شَبَّـتْ حَرِيقًـا فَوْقَـهُ لِتُرَابِـي

أَنَا هَهُنَا أَبْكِي، وَيَقْتُلُنِـي الأَسَـى ... وَيَكَادُ يَذْ وِي في السُّجُونِ شَبَابِـي

وَمَعِي أُلُـوفٌ أَوْرَقَـتْ أَيَّامُهُـمْ ... حُزْنًا، وَهَمًّا، واجْتِرَاحَ صِعَـابِ

مِنْ كُلِّ شَيْخٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ فَتًـى ... أَوْ غَـادَةٍ مَحْفُوفَـةٍ بِـحِـرَابِ

لا شَيْءَ يَعْصِمُهُمْ، ولا حَامٍ لَهُـمْ ... تُرِكُوا مَعَ الْجَلاَّدِ خَلْـفَ الْبَـابِ

تُرِكُوا وَكُحْلُ اللَّيْلِ زَادُ عُيُونِهِـمْ ... وَكُؤوسُهُمْ مَلآى بِمَـاءِ سَـرَابِ

وَيَزِيدُهُمْ ثُكْـلاً تَشَتُّـتُ أَهْلِهِـمْ... وَهَوَانُ فُرْقَتِهِمْ علـى الأَعـرَابِ

طَالَ الْفِرَاقُ، وَإِنَّنِـي مُتَعَطِّـشٌ ... لِغَدٍ يَزِفُّ إِلَـى النَّهَـارِ إِيَابِـي

مَا كُنْتُ أَقْصِدُ أَنْ أَغِيبَ، وَلَمْ يَكُنْ... هَذَا الْغِيَابُ بِخَاطِرِي، وَحِسَابِـي

أَتَغِيبُ عَيْنِي عَنْ عِنَاقِ ضِيَائِهَـا ... وَتَغِيبُ عَـنْ أَجْفَانِهـا أَهْدَابِـي؟

واللَّهِ ما زالَتْ دُمُوعِي في النَّوَى ... تُجْرِي على خَدَّيَّ مِلْحَ شَرَابِـي

وَتُرِيقُنِي شَوْقًا يَهُـزُّ جَوَارِحِـي ... وَتَسُوقُنِي أَرَقًـا يَـؤُزُّ مُصَابِـي

أَنَا لا أَزَالُ هُنَا أُعَانِـقُ عَوْدَتِـي ... وَأُذِيبُ فِيها حَسْرَتِـي وَصَوَابِـي

وَأُجَاذِبُ الذِّكْرَى بَقَايَـا لَوْعَتِـي ... وَأُقَاسِمُ الأَصْحَابَ حُرْقَةَ ما بِـي

وَتَرُدُّنِي الْقُضْبَانُ عَـنْ حُرِّيَتِـي ... وَأَنَـا أَرُدُّ الْقَهْـرَ بِـالإِضْـرَابِ

أَدْرِي بِأَنَّ السِّجْنَ أَشْبَعِنِي أَسًـى ... وَيَكَادُ يَحْرِقُ جَمْـرُهُ أَعْصَابِـي

لَكِنَّ في عَزْمِي مَضَـاءً عَارِمًـا... يَكْفِي لِيُشْعِلَ في الظَّلامِ شِهَابِـي

أُمَّاهُ لا تَبْكِي، فَهَـذَا الْفَجْـرُ قَـدْ ... أَوْحَى بِـأَنَّ لَدَيْـهِ أَمْـرَ مَآبِـي

أَمَّاهُ ( رُدِّي الشَّايَ ) إِنِّي قَـادِمٌ ... وَمَعِي – كَمَا عَوَّدْتِنِي - أَصْحَابِي

وَقِفِي لَنَا بِالْبَابِ: ( أَهلاً يا هَلا ) ... أُمَّاهُ زِيـدِي جُرْعَـةَ "التَّرْحَـابِ"

هَذَا أَنَا، مُـدِّي يَدَيْـكِ وَدَاعِبِـي ... كَفِّي، وَشَعْرِي، وَاشْرَعِي بِعِتَابِي

مُدِّيهِمَا لأُذِيـبَ وَجْهِـي فِيهِمـا ... وَأَذُوبَ حَتَّى يَرْتَـوِي تَسْكَابِـي

لا تَحْزَنِي مِمَّا تَرَيْنَ على يَـدِي... أَوْ فَوْقَ ظَهْرِي مِنْ سِياطِ عَذَابِ

هَذَا عِقَـابُ الغاصِبِيـنَ وَإِنَّنِـي ... أَسْمُو على كُلِّ الْـوَرَى بِعِقَابِـي

هَذَا وِسَـامُ الثَّائِرِيـنَ فَبَارِكِـي ... أُمَّـاهُ وَشْمًـا تَشْتَهِيـهِ ثِيَابِـي!!